اختلفت الأسماء … وتشابهت الأخلاق
إعداد : ربيع عرابي
كَتْبُغَا نُوِينَ هو نَائِبُ هُولَاكُو عَلَى بِلَادِ الشَّامِ، لَعَنَهُمَا اللَّهُ، وَنُوِينَ يَعْنِي أَمِيرَ عَشَرَةِ آلَافٍ، وَكَانَ هَذَا الْخَبِيثُ قَدْ فَتَحَ لِأُسْتَاذِهِ هُولَاكُو مِنْ أَقْصَى بِلَادِ الْعَجَمِ إِلَى الشَّامِ، وَقَدْ أَدْرَكَ جِنْكِيزْخَانُ جَدُّ هُولَاكُو، وَقَدْ كَانَ كَتْبُغَا هَذَا يَعْتَمِدُ فِي حُرُوبِهِ لِلْمُسْلِمِينَ بِبِلَادِ خُرَاسَانَ وَالْعِرَاقِ أَشْيَاءَ لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهَا أَحَدٌ، كَانَ إِذَا فَتَحَ بَلَدًا سَاقَ الْمُقَاتِلَةَ مِنْهُ إِلَى الْبَلَدِ الَّذِي يَلِيهِ، وَيَطْلُبُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ أَنْ يُؤُوا هَؤُلَاءِ إِلَيْهِمْ، فَإِنْ فَعَلُوا حَصَلَ مَقْصُودُهُ فِي تَضْيِيقِ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ عَلَيْهِمْ، فَتَقْصُرُ مُدَّةُ الْحِصَارِ عَلَيْهِ.
وَكَانَ يَبْعَثُ إِلَى الْحِصْنِ يَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ مَاءَكُمْ قَدْ قَلَّ، فَافْتَحُوا صُلْحًا قَبْلَ أَنْ نَأْخُذَكُمْ قَسْرًا. فَيَقُولُونَ: إِنَّ الْمَاءَ عِنْدَنَا كَثِيرٌ فَلَا نَحْتَاجُ إِلَى مَاءٍ. فَيَقُولُ: لَا أُصَدِّقُ حَتَّى أَبْعَثَ مِنْ عِنْدِي مَنْ يُشْرِفُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا انْصَرَفْتُ عَنْكُمْ. فَيَقُولُونَ ابْعَثْ مَنْ يُشْرِفُ عَلَى ذَلِكَ. فَيُرْسِلُ رِجَالًا مِنْ جَيْشِهِ، مَعَهُمْ رِمَاحٌ مُجَوَّفَةٌ مَحْشُوَّةٌ سَمًّا، فَإِذَا دَخَلُوا سَاطُوا ذَلِكَ الْمَاءَ بِتِلْكَ الرِّمَاحِ، فَيَنْفَتِحُ ذَلِكَ السُّمُّ وَيَسْتَقِرُّ فِي الْمَاءِ، فَيَكُونُ سَبَبَ هَلَاكِهِمْ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، لَعَنَهُ اللَّهُ لَعْنَةً تَدْخُلُ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ. وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ أَسَنَّ، وَكَانَ يَمِيلُ إِلَى دِينِ النَّصَارَى، وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْ حُكْمِ جِنْكِيزْخَانَ فِي الْيَاسَاقِ.
قَالَ الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ الْيُونِينِيُّ: رَأَيْتُهُ بِبَعْلَبَكَّ حِينَ حَاصَرَ قَلْعَتَهَا، وَكَانَ مَهِيبًا شَدِيدَ السَّطْوَةِ. قَالَ: وَقَدْ دَخَلَ الْجَامِعَ فَصَعِدَ الْمَنَارَةَ لِيَتَأَمَّلَ الْقَلْعَةَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ الْغَرْبِيِّ، فَدَخَلَ دُكَّانًا خَرَابًا، فَقَضَى حَاجَتَهُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَهُوَ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ، فَلَمَّا فَرَغَ مَسَحَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ بِقُطْنٍ مُلَبَّدٍ مَسْحَةً وَاحِدَةً.
قَالَ: وَلَمَّا بَلَغَهُ خُرُوجُ الْمُظَفَّرِ (قطز) إِلَيْهِ بِالْعَسَاكِرِ الْمِصْرِيَّةِ تَلَوَّمَ فِي أَمْرِهِ، ثُمَّ حَمَلَتْهُ نَفْسُهُ الْأَبِيَّةُ عَلَى لِقَائِهِمْ، وَظَنَّ أَنَّهُ يَنْتَصِرُ كَمَا كَانَتْ عَادَتُهُ، فَحَمَلَ يَوْمئِذٍ عَلَى الْمَيْسَرَةِ فَكَسَرَهَا، ثُمَّ أَيَّدَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ وَثَبَّتَهُمْ، فَحَمَلُوا حَمْلَةً صَادِقَةً عَلَى التَّتَارِ، فَهَزَمُوهُمْ هَزِيمَةً لَا تُجْبَرُ أَبَدًا.
وَقُتِلَ كَتْبُغَا نُوينَ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَأُسِرَ ابْنُهُ، وَكَانَ شَابًّا حَسَنًا، فَأُحْضِرَ بَيْنَ يَدِيِ الْمُظَفَّرِ قُطُزَ، فَقَالَ لَهُ: أَهَرَبَ أَبُوكَ؟ قَالَ إِنَّهُ لَا يَهْرُبُ، فَطَلَبُوهُ فَوَجَدُوهُ بَيْنَ الْقَتْلَى، فَلَمَّا رَآهُ ابْنُهُ صَرَخَ وَبَكَى و قَالَ: كَانَ هَذَا سَعَادَةُ التَّتَارِ وَبِقَتْلِهِ ذَهَبَ سَعْدُهُمْ.
وَهَكَذَا كَانَ كَمَا قَالَ، وَلَمْ يُفْلِحُوا بَعْدَهُ أَبَدًا، وَكَانَ قَتْلُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْخَامِسَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ، لَعَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَانَ الَّذِي قَتَلَ كَتْبُغَا نُوينَ الْأَمِيرُ جَمَالُ الدِّينِ آقُوشُ الشَّمْسِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
البداية والنهاية لإبن كثير الدمشقي