ربيع عرابي
وَ جَلَستُ فِي جُنْحِ الظَّلامِ وَنَخلَةٌ قُربِي وَ تَجمَعُ بَينَنَا صَحرَاءُ
وَ جَرَتْ دُمُوعِي فِي أنِينٍ صَامِتٍ وَ القَلبُ خَفقَتُهُ أسَىً وَ رَجَاءُ
وَ الرُّوحُ تَشكُو حُزنَهَا فِي لَوعَةٍ وَ حَدِيثُهَا هُوَ زَفرَةٌ وَ دُعَاءُ
وَ رَنَت إِلَيَّ نُخَيلَتِي حَيرَانَةً لَمْ تَدرِ مَا تَغلِي بِهِ الأحشَاءُ
مَالِي أرَاكَ وَ قَد عَرَتكَ كَآبَةٌ فِيمَ الدُّمُوعُ وَ هَل أطَلَّ بَلاءُ
فِيمَ الدُّمُوعُ وَ قَد عَهِدتُكَ بَاسِمَا بِضِيَاءِ وَجهِكَ تَبسِمُ الظَّلمَاءُ
أتِجَارَةً تَبكِي وَ كُنتَ مُؤَمِّلاً رِبحَاً وَفِيرَاً كَانَ فِيهِ غَنَاءُ
أم أنَّهَا ذِكرَى الهَوَى قَد هَيَّجَت فِيكَ الحَنِينَ وَ قَد سَبَتكَ ظِبَاءُ
فَأجَبتُ نَخلَتِيَ اللَّحُوحَ بِعَبرَةٍ هَذِي الدُّمُوعُ بِمُقلَتَيَّ عَزَاءُ
أنَا لَستُ أبكِي مِن كَسَادِ تِجَارَةٍ أبَداً وَ لَيسَ يَغُـرُّنِي لألاءُ
دَمعُ الأبِيِّ عَلَى الطَّرِيقِ مَنَارَةٌ لا لَـن تُـرَقـرِقَ دَمعَهُ حَسنَاءُ
أنَا يَا نُخَيلَةُ لَستُ أبكِي ذِلَّةً مِثلَ النِّسَاءِ قُـلُـوبُهُنَّ خَوَاءُ
أنَا إن بَكَيتُ فِإنَّما أبكِي ثَرىً وَ عَقِيدَةً قَد بَاعَهَا العُمَلاءُ
أبكِي بِلادَاً بِالكَرَامَةِ تَزدَهِي بِالعِزَّ تَزهُو وَ الهُدَى وَضَّاءُ
أبكِي بِلادَاً بُورِكَت أرجَاؤُهَا وَ رَوَتْ ثَرَاهَا فِي القَدِيمِ دِمَاءُ
أبكِي الشَّآمَ وَ كَيفَ لا أبكِي وَ قَد زَرَعَ الفَسَادَ بِأرضِهَا الأُجَرَاءُ
أبكِي الشَّآمَ يَعِيثُ فِيهَا حَاقِدٌ قَد أيَّدَتْهُ عِصَابَةٌ رَعنَاءُ
أبكِي دِمَشقَ وَ مَا جَرَى فِي تَدمُرٍ الحقُّ عَربَدَ حَولَهُ الجُبَنَاءُ
أبكِي حَمَاةَ وَ فِي ثَرَاهَا قَد جَرَى نَهرٌ زَكِيٌّ خَطَّهُ الشُّهَدَاءُ
أبكِي عَلَى أرضِ الوَلِيدِ وَعِزِّهَا حِمصُ الوَلِيدِ وَ هَل لِحِمصَ نَجَاءُ
أبكِي عَلَى حَلَبِ الشَّهَامَةِ والفِدَا كَم عَزَّ فِيهَا قَائِدٌ وَ لِوَاءُ
أبكِي الشَّآمَ أيَا نُخَيلَةُ فَاسمَعِي هذِي دُمُوعِي لِلغَيُورِ نِدَاءُ
لَكِنَّ دَمعِي يَانُخَيلةُ لَحظَةٌ تَمضِي وَ تَنطِقُ بَعدَهَا الغَبرَاءُ
وَ نَشِيجُ صَوتِي إن تَعَالَى فِي الدُّجَى سَـيَصِيرُ رَعدَاً يَتِّقِـي الجُبَنَاءُ
وَ تَثُورُ رُوحِي بِالكَرَامَةِ وَ الإِبَا وَ تَظَلُّ تَغلِي فِي العُرُوقِ دِمَاءُ
أنَا يَا نُخَيلَةُ عِزَّتِي مِن خَالِقِي لا لَن تُطَأطِىءَ هَامَتِي الأنوَاءُ
إنْ عَربَدَ الطُّغيَانُ دَهرَاً كَامِلاً أو زَمجَرَ الفُسَّاقُ و الجُهَلاءُ
أو شَرَّدَ الكُفَّارُ ظُلمَاً أهلَنَا وَ تَسَاقَطَ الأحرَارُ و الشُّهَدَاءُ
أو عَذَّبُوا جَسَدَ الأبَيِّ بِسَوطِهِم أو جُوِّعَ الأطفَالُ وَ الأبنَاءُ
أو أخرَجُونَا عُنوَةً مِن أرضِنَا أو لَوَّعَتنَا فِي الدُّنَا اللأواءُ
لَكِنَّنَا لَن نَنثَنِي عَن عَزمِنَا سَـتَظَلُّ تَحكِي مَجدَنَا الأرجَاءُ
و الكُفرُ لَن يَقوَى عَلَى إيمَانِنَا فَـلِـدِينِنَا تَتَوَاضَعُ الأُمَـرَاءُ
حَتَّى إذَا نَطَقَ السِّلاحُ بِحُكمِهِ وَ جَرَى القِصَاصُ وَ عُوقِبَ العُمَلاءُ
وَ هَوَى عَلَى رَأسِ الخِيَانَةِ بِالرَّدَى سَيفُ الجِهَادِ يَسُلُّهُ النُجَبَاءُ
وَ تَسَاقَطَتْ فِي الذُلِّ كُلُّ خِيَانَةٍ وَ تَهَاوَتِ الأوثَانُ وَ الأهوَاءُ
وَ تَنَكَّسَتْ للأرضِ رَايَاتُ الخَنَا وَ شَرَائِعٌ قّد بَثَّهَا الدُّخَلاءُ
وَ تَرَدَّدَت فِي الكَونِ أصدَاءُ النِّدَا اللهُ أكبَرُ دَعوَةٌ وَ حُدَاءُ
سَيَعُودُ دَمعِي يَانُخَيلَةُ يَومَهَا فَرَحَاً وَ تَرجِعُ بَسمَتِي الغَرَّاءُ
وَنَعُودُ نَجلِسُ فِي مَسَاءٍ مُقمِرٍ عَبِـقٍ وَ تَجمَعُ بَينَنَـا الصَّحرَاءُ
وَ يَكُونُ رَجعُ نَشِيدِنَا فِي نُـورِهِ صَوتُ السُّيُوفِ تَهَابُهُ الأعـدَاءُ